الشيخ : فرحات اعزيز الشامخ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الداء والدواء ولا يقع شيء في كونه إلا بقضائه ومشيئته والصلاة والسلام عل سيدنا محمد سيد الخلق وخيرته وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه ولا راد لمشيئته واشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الصادق الأمين وخاتم النبيين وإمام الغر المحجلين… وبعد..
أصول السحر
ورد عن عمر بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم اخطأ فله اجر))[1] فكل من اجتهد في الوصول للحق فأصاب فله أجران وإن اخطأ فله اجر من الله سبحانه وتعالى.
في الأوان الأخيرة اجتهد بعض أهل العلم للوصول إلى ماهية السحر بحثا عن أفضل الطرق الشرعية لعلاجه.
ما السحر؟
أقرب هذه التعريفات للواقع ما يلي :قال ابن قدامة المقدسي _ رحمه الله_ ((هو عقد ورقى وكلام يتكلم به، أو يكتب ، أو يعمل شيئاً يؤثر في بدن المسحور ، أو قلبه ، أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة فمنه ما يقتل وما يمرض، وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطئها ، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه وما يبغض احدهما إلى الأخر أو يحبب بين اثنين ))
قال ابن القيم _رحمه الله_ عن السحر(( هو مركب من تأثيرات الأرواح الخبيثة وانفعال القوى الطبيعية عنها))
وقال وحيد عبدالسلام _ حفظه الله_ (( هو اتفاق بين ساحر وشيطان على أن يقوم الساحر بفعل بعض المحرمات أو شركيات في مقابل مساعدة الشيطان له وطاعته فيما يطلب منه))
واقرب هذه التعريفات للواقع هو تعريف وحيد عبدالسلام ولكن يحتاج لتعديل طفيف.
فالسحر هو:- (( اتفاق بين ساحر لعلمه وكفره وشيطان بقدرته))
فكلما ازداد كفر الساحر ودرايته بعلوم السحر وازداد عتو الشيطان كان السحر أسرع في حصول المقصود أما إذا تخلف شرط من هذه الشروط الثلاث يتخلف المقصود.
فإذا كان الساحر غير عالم بالسحر فقد يقصد أشياء ، ويحدث ضدها، وإذا كان كفره لا يرضي الشيطان كانت خدمات الشيطان غير تامة ، وإذا توفر هذان الشرطان وكان الشيطان ضعيفاً لا يحقق غرض الساحر، فالسحر يلزمه هذا الثالوث(علم – كفر – قدرة)
ثالوث السحر
وفيه ثلاث مطالب:
المطلب الأول : علوم السحر
(1)علم التنجيم
قال شيخ الإسلام _رحمه الله_: التنجيم هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية[2] وهذا العلم مبني عندهم على أن للكواكب والنجوم روحانية تؤثر في حوادث الأرض، فما يقع في هذا الكون الفسيح من سعود ونحوس ناتج عن اقتران النجوم والكواكب في الأفلاك ومتى تفترق ويسمون ذلك بالطلع أو حساب النجم.
قال الشيخ محمد حامد الفقي_رحمه الله_ ((علم يعرف بالعلم الروحاني ، يزعمون أنه معرفة روحانية النجوم والكواكب وتأثيرها في الأرض ومن عليها بالأمراض والضيق والسعه والموت والحياة والسعادة والشقاوة بين الزوجين إذا عقد تقرانهما عند اقتران كذا من النجوم والكواكب بكذا ، ولهم في ذلك ما يسمونه بالطالع))[3] وقال الخطابي(( علم لنجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي ستقع في مستقبل الزمان، كأوقات هبوب الرياح ومجيء المطر، ، وتغير الأسعار وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بمسير الكواكب في مجاريها، واجتماعها ، افتراقها، يدعون أن لها تأثير في السفليات ، وهذا منهم تحكم على الغيب ، وتعاط لعلم قد استأثر الله به ))[4] لذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنه قال(( من اقتبس علما من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد))[5] (2)علم الحرف
وهذا العلم عندهم مبنياً على أن للحروف الأبجدية خواص وتصريفات وكل حرف من هذه الحروف كما يزعمون من الملائكة من يخدمه ويتوكل به، لذا تجدهم يكتبون طلاسمهم حروفا متفرقة، ودائماً ما يطلبون ممن يذهب إليهم اسمه واسم أمه ، ثم يفرقون أحرفها ويحذفون المتشابه ويخرجون منها كما يزعمون طبائع البشر وما لهم من سعادة وشقاء وإحياء وإماتة ونفع وضر وعندهم أن هذه الحروف كأجساد ليس فيها أرواح.
يقول الشيخ محمد حامد الفقي_رحمه الله_ (( وينسبه الدجالون المشركون إلى جعفر الصادق، ولهم في ذلك كلام كثير في منتهى الكفر، والظاهر أنه من وضع الرافضة الذين استجابوا لسلفهم اليهود فأعملوا في هدم الإسلام كل معول))[6] فتعالى الله عما يصف الظالمون علوا كبيراً
ولقد جاء نهي صريح عن تعلم هذا العلم ، فقد روى الطبراني بإسناد ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنه يرفعه ((رب معلم حرف (أبجد) دارسي في النجوم ليس له عند الله خلاق يوم القيامة )) رواه حمد بن زنجويه بلفظ (( رب ناظر في النجوم ومتعلم حروف أب جاد ليس له عند الله خلاق وكتابه (أبجد) وتعلمهالمن يدعي بها علم الغيب هو الذي يسمى علم الحرف وهو الذي جاء في الوعيد ، فأما تعلمها للتهجي وحساب الجمل فلا بأس به))[7] (3)علم البسط والتكسير
ويسمى أيضا بعلم أعداد الحروف الأبجدية ويعطون لكل حرف رقما ويستخدمه في حساب الجمل للأسماء، وعندهم ترتيبات للحروف الأبجدية يعرف أحدهما بالجٌمل الكبيرة و الاخرة بالجمل الصغيرة ويزعمون أن هذه الأرقام هي أروح الأحرف التي هي بمثابة أجسادها فيصبح كاملاً كما يزعمون.
(4)علم الأوفاق:
ويقصد بالاوفاق هذه الأشكال الهندسية وفق مثلث وهو كل ضلع فيه ثلاث خانات وكل خانة تسمى بيتا ويكون جملته تسعة أبيات، وفق مربع يحتوي على ست عشر بيتاً ووفق مخمسي ويحتوي على خميس وعشرين بيتا ومضاعفاتها.
وكل وفق طريقة معينة وضوابط دقيقة لوضع الحروف والأرقام فيه.
(5)علم العزائم:
وهذا العلم يختص بجملة من العزائم وهي ألفاظ غير معلومة المعنى وليست عربية، ويدعون أنها منطوق كلمات باللغة السريانية ولها معان طيبة في اللغة العربية، بل يدعون أنها أسماء الله الحسنى.
ومن أهم العزائم التي يستخدمها كل سحرة الدنيا ما يلي:
عزيمة البرهتية، وعزيمة الجلجوتية، وعزيمة الطالوتيه، وأسماء التهطيل.
ولا يستطيع الساحر أن يكتب طلسما إلا إذا توافرت له كل العلوم السابقة، فهو يأخذ الأسماء ويوزع حروفها ويخرج منها أرقاما، ثم ينزل الأرقام والحروف في أبيات الوفق، وفي أثناء ذلك يتلو عزيمة معينة ولا يصلح ذلك إلا إذا وافق ساعة كوكب أو نجم، وبإطلاق بخور يحبه الجن، فان نجح في ذلك خدم هذا الطلسم جن، وأمره أن ينفذ مهمة معينة مع شخص معين وهو المستهدف من السحر.
المطلب الثاني:كفر الساحر:
لا بد أن يكفر الساحر كفر يرضي إبليس، فيرتكب شنائع ومنكرات لا تخطر على بال إنسان، ولكنها تنحصر تحت فئتين:
الأولى: امتهان آيات الله.. والقرآن أعظمها:ولهم معهم شأن عجيب فمنهم من يبول عليه ومنهم من يعمل منه نعلا ويدخل به الخلاء ومنهم من يستبرء به من الغائط، ومنهم من يقرأه على جنابة، ومنهم من يقرأه في الخلاء، ومنهم من يكتبه بنجاسات كالبول ودم الحيض. وغيرها ، ومنهم من يكتب آياته حروفا مفرقة شعاره في ذلك فرق ما جمعه الله، ومنهم من يكتب القرآن آيات مبتورة ومحرفة فمثلا يكتبون شاهت الوجوه بدلا من عنت الوجوه.
واللبن أطهرها: فمنهم من يستنجي به من الغائط ومنهم من يتوضأ به، ومنهم من يبول فيه ومنهم من يسكبه في مواضع النجاسات ومنهم من يسكبه على الأرض ويمشي عليه.
الثانية: ارتكاب أعظم الفواحش :منهم من يصلي جنبا زمنا ومنهم من يزني بمحارمه ومنهم من يتوضأ بالخمر للصلاة ومنهم من يكتب الطلسم بدم إنسان بعد ذبحه، ومنهم من يكتب بمني الزناة واللواط وكل هذا غيض من فيض وما خفي أعظم.
(لا يصل الساحر إلى قمة سحره إلا إذا وصل إلى قمة الكفر)
المطلب الثالث: قدرة الجن: قدراتهم والتي تستخدم أساسا في إتمام السحر( قال عفريت من الجن أنا أتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين(40) النمل.
فإذا اجتمع هذا الثالوث ووافق إذن الله وقع السحر واستمكن من صاحبه ولكن في النهاية(.. وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله (102) البقرة
هام وخطير
فالسحر عبارة عن طلسم مكتوب وجن ينفذ كما وكل به
وهذان يدخلان جسم الإنسان المسحور، الطلسم يتحول إلى بؤرة سحرية لها قوة مغناطيسية وهذه تظهر في بعض صور الأشعة التي تؤخذ للمريض على هيئة تشويش مغناطيسي لا يعرف الأطباء له سببا منطقيا ويعزون ذلك لسوء التحميض وغيره.
وهذه البؤرة تجذب الجن إليها جذبا عجيباً فلا يستطيع أن يخرج من مجالها إلا بقوة أعظم من قوة جذبها له
نسأل الله الحفظ والحماية من كل ضرر وشر ونعوذ به من حسد الحاسدين وكيد الكائدين
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم
الشيخ / فرحات أعزيز الشامخ القطعاني
الخميس مارس 19, 2009 4:13 pm
