لا تتقمص شخصية غيرك ولا تذب في الآخرين . إن هذا هو العذاب الدائم ، وكثير هم الذين ينسون أنفسهم وأصواتهم وحركاتهم ، وكلامهم ومواهبهم وظروفهم ، لينصهروا في شخصيات الآخرين ، فإذا التكلف والصلف ، والاحتراق ، ولإعدام للكيان وللذات .
من آدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اٍثنان في صورة واحدة ، فلماذا يتفقون في المواهب والأخلاق.. أنت شيء آخر لم يسبق لك في التاريخ مثال ، ولن يأتي في الدنيا مثلك شبيه .. أنت مختلف تماماً عن زيد وعمرو ، فلا تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان.
اٍنطلق على هيئتك وسجيتك ( قد علم كل أناس مشربهم ) ( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ) عش كما خلقت لا تغير صوتك ، لا تبدل نبرتك ، لا تخالف مشيتك ، هذّب نفسك بالوحي ، ولكن لا تلغ وجودك وتقتل اٍستقلالك.
أنت لك طعم خاص ، ولون خاص ، ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ، لأنك خلقت هكذا ، وعرفناك هكذا
(( لا يكن أحدكم إمعة )) .
إن الناس في طباعهم أشبه بعالم الأشجار : حلو وحامض ، وطويل وقصير ، وهكذا فليكونوا ، فإن كنت كالموز فلا تتحول إلى سفرجل ؛ لأن جمالك وقيمتك أن تكون موزاً ، إن اٍختلاف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا آية من آيات الباري فلا تجحد آياته .
يقول اٍبن القيم رحمه الله تعالى : أشتر نفسك ؛ اليوم فإن السوق ، والثمن موجود ، والبضائع رخيصة ، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير ( ذلك يوم التغابن ) ( يوم يعض الظالم على يديه ) .
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى وأبصرت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا