- وهم متنوعون في مواهبهم ومقاماتهم، متحدون في منهجهم وغاياتهم: منهم المجاهد، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، والمفسر والمحدث واللغوي والشاعر، ومنهم العامة المطيعون لله ورسوله ولو لم يحملوا من العلم شيئاً.
فكل من لم يُفسد عليه أهل البدع فطرته فهو منهم على فطرة السنة، كالمولود على فطرة الإسلام الذي لم يهوده أبواه ولم ينصراه أو يمجساه.
4- وأهل السنة والاتباع يؤدون حقوق الأمة كما أمر بها الشرع، فإن الشرع في مقام المعاملة مع الله وأداء حقه علق دخول الجنة والفوز باسم (الإيمان) كما في آيٍ كثيرة جداً من كتاب الله، ولكنه في مقام التعامل مع الناس علق حقوق صيانة الدم والمال والعرض باسم (الإسلام)، فقال [صلى الله عليه وسلم]: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)(2). وقال [صلى الله عليه وسلم]: (حق المسلم على المسلم ست)(3). وقال[صلى الله عليه وسلم]: (المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده)(4). فمن ثبت له اسم الإسلام ثبتت له هذه الحقوق، ولا تسقط إلا بيقين ولمصلحة الدين، بل إن الله تعالى سمى الطائفتين المتقاتلتين مؤمنين تنبيهاً لثبوت حقهما على سائر المسلمين، فقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات:10).
5- وهم لا يهدرون الأحكام الثابتة والأصول الكلية لأجل الأحكام العارضة والوقائع العينية؛ فمن الأصول الكلية الثابتة بصريح الآيات والأحاديث الصحيحة: (وجوب اجتماع كلمة المسلمين) ومن الأحكام العارضة: (هجر المبتدع أو الفاسق) فما لم تكن المصلحة في ذلك راجحة فلا يصار إليه، وهو مما تتغير فيه الأحوال ويقبل تعدد الاجتهاد.
6- ومن صلَّى صلاتهم، واستقبل قبلتهم، وأكل ذبيحتهم فهو منهم؛ له ما لهم، وعليه ما عليهم، وحسابه على الله وسريرته إليه، لا تنقيب عن القلوب، ولا شق عن السرائر، ولا إساءة ظن، ولا غلّ على سابق بالإيمان، ولا تفريق للمسلمين بالألقاب والأسماء وإن كانت أشرف الأسماء، مثل " المهاجرين والأنصار"؛ إلا أنها إنما تقال على سبيل الثناء والتأليف أو التمييز والتعريف، فما أغنى عن المعتزلة تسميتهم أنفسهم بـ(أهل التوحيد والعدل) ولا أغنى عن الصوفية دعواهم أنهم (أهل الولاية والقرب) وقبلهم قالت اليهود والنصارى:(نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (المائدة:18).
7- وهم يعدون امتحان الناس بالولاء والبراء لطائفة أو معين من المحدثات التي زجر عنها السلف؛ فإن الموالاة والمعاداة تكون على الحقائق لا على الدعاوى والأسماء، وفي جماعتهم الصغرى قدوة لجماعتهم الكبرى؛ فكما أن الواجب هو أن يصلوا كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون، وأن يكون إمامهم من أهل الاتباع؛ دون أن يمنعوا دخول أهل النفاق والمعاصي إلى المسجد وصلاتهم بصلاة أهل السنة، فكذلك يجب أن يكون اجتماعهم العام على السنة بمفهومها الواسع والعميق، ولا يمنع ذلك أن ينضم إليهم في نصرة الإسلام ومعاداة أعدائه من هو متلبس ببدعة أو مقيم على معصية، لكنهم يجتهدون في دعوة هؤلاء إلى الاستقامة مثلما يُعلّم الإمام جماعة المسجد كيف يؤدون الصلاة صحيحة، وهذا خير من أن يستقل أهل المعصية بمسجد وإمام، ويكون بين المسجدين عداوة وخصام.
8- وهم أقوياء في الحق من غير غلو، ورحماء بالخلق من غير عسف ولا جور، يأمرون بالمعروف بمعروف، وينهون عن المنكر بلا منكر