أوقد شمعة ولا تلعن الظلام..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الذكي الموفق يحوّل خسائره إلى مكاسب،
طُرد الرسول من مكة إلى المدينة فانشأ دولة
عادلة ملأت سمع الزمان وبصره،
سُجن ابن تيمية فكتب في السجن ثلاثين مجلداً
من العلم النافع،
وضُع السرخسي في بئر معطّلة تحت الأرض فألَّف
كتاب المبسوط عشرين مجلداً،
أقعد ابن الأثير فصنَّف جامع الأصول أنفع وأفيد كتاب
في الحديث،
تعطَّل عطاء بن أبي رباح عن المكاسب الدنيوية
لأمراضه وضعفه فجلس في الحرم ثلاثين سنة
يتعلم العلم فصار عالم الدنيا،
أصابت الحمى أبا الطيب المتنبي فأرسل للعالمين
قصيدته الرائعة الذائعة:
* وَزائِرَتي كَأَنَّ بِها حَياءً ..
فَلَيسَ تَزورُ إِلا في الظَلامِ.
طه حسين فواصل دراسته حتى نال
العالمية،
وبُتِرت رجل الزمخشري فلزم بيته يقرأ ويصنِّف فصار
أعجوبة الدهر،
إذاً استثمر الوجه الآخر للمأساة وانظر إلى الجانب
المشرق للمصيبة وحاول أن تصنع من الليمون
شراباً حلواً،
وتكيّف مع ظرفك القاسي واعلم أن
العظماء إنما شقوا طريقهم إلى المجد على الجمر
وعلى الشوك والتعب والمشقة؛ لأن طريق الراحة
التعب، والتفوق والانتصار قطرات من الدموع والآهات
والدماء والعرق، أما الإخفاق والهزيمة فإنها
كبسولات مسكِّنة من الفشل والكسل والتسويف
والإحباط والراحة، فإذا واجهتك أزمة وصدمتك مأساة
فلا تقابلها بالعويل والثبور والبكاء والتحسر، بل
واجهها بالاحتساب والصبر والإصرار على الانتصار
والثبات والاستمرار، إن العباقرة في الغالب لم تكن
ظروفهم مهيأة ولا النعم لديهم مكتملة ولا الوسائل
متاحة، فمن عنده مال ليس لديه صحة، ومن رُزق
ذكاءً خسر الثروة، ومن مُتِّع بسمعه قد يفقد بصره،
فحال الدنيا عدم الاكتمال، فلو أن الدنيا تمّت لأحد
من العز والمال والصحة والجاه والسرور والأمن
لصارت جنّة ولما كان في الآخرة جنّة ثانية، لكن
هذه الدنيا (من سرَّه زمنٌ ساءته أزمان) فلا تنتظر
أن يصفو لك العيش وتسالمك الأيام وتُتاح لك
الفرص وتُفرش لك طريق المجد بالورود، ولكن
انطلق بما أعطاك الله من موهبة ونعمة ووظِّفها
أحسن توظيف واجتهد غاية الاجتهاد، وإذا ضمك
الليل فلا تلعن الظلام ولكن أوقد شمعة، وإذا
تعطلت بك سيارتك فلا تلقي خطبة رنّانة في سبّ
من صنعها أو الطريق الذي مشت عليه، ولكن
أصلحها وواصل السير، وإذا تنكَّر لك صديق فلا تنظم
فيه قصائد الهجاء وتضيّع وقتك ولكن ابحث عن
صديق آخر أو عش وحيداً، وكن كالنملة تحاول
الصعود ألف مرَّة ولا تؤمن بالإحباط أبداً، وكن
كالسيل إذا وُضعت في طريقه صخرة انحرف ذات
اليمين وذات الشمال، الفرص أمامك كثيرة والأيام
المشرقة تنتظرك، والانتصار حليفك إذا بذلت
واجتهدت وتوكّلت على الله، لا تعترف في الحياة
بالهزيمة أبداً وقاوم إلى آخر نَفَس من حياتك
فإن أبا الريحان البيروني بقي يدّرس حتى في يوم
وفاته،
وأبو يوسف القاضي يناقش طلابه وهو في سكرات
الموت،
وابن سينا يكمل مصنَّفه والموت يدبُّ في أطرافه،
لأن الحياة لا تعترف بالخاملين الكسالى، والدهر لا
يصفق للفاشلين، والمؤمن القوي خير وأحبُّ إلى
الله من المؤمن الضعيف،
قال شوقي:
* وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي ..
وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
منقول